فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقالوا في قوله: {وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40)} [الرعد: 40] كيف يكون عليه البلاغ بعد الوفاة؟.
وقالوا: في قوله في الرعد: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35]، أين الشيء الذي جعلت له الجنة مثلا؟ وهل يجوز أن يقال: مثل الدار التي وعدتك سكناها، يطّرد فيها نهر، وتظلك فيها، شجرة. ويمسك القائل؟.
قالوا: وقال في موضع آخر: {يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: 73] ولم يأت به.
وقالوا في قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} [الأحزاب: 10]: كيف تبلغ القلب الحلوق، والقلوب إن زال عن موضعه شيئا، مات صاحبه؟.
وقالوا في قوله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]: كيف يذاق اللباس؟ وإنما كان وجه الكلام: فألبسها اللّه لباس الجوع والخوف. أو غشّاها اللّه لباس الجوع والخوف. أو فأذاقها اللّه الجوع والخوف. ويحذف اللباس.
وقالوا في قوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)} [القلم: 16]: ما هذا من العقوبة؟ وفي أي الدّارين يسمه: أفي الدنيا أم في الآخرة؟
فإن كان في الدنيا، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من المشركين، وسم على أنفه.
وإن كان في النار، فما أعدّ للكافرين فيها من صنوف العذاب، أكثر من الوسم على الأنف.
وقالوا: ماذا أراد بإنزال المتشابه في القرآن، من أراد لعباده الهدى والبيان؟.
وتعلقوا بكثير منه لطف معناه: لما فيه من المجازات بمضمر لغير مذكور، أو محذوف من الكلام متروك، أو مزيد فيه يوضح معناه حذف الزيادة، أو مقدّم يوضح معناه التأخير، أو مؤخر يوضح معناه التقديم، أو مستعار، أو مقلوب.
وتكلموا في الكناية، مثل قوله: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1]، ومثل قوله: {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28].
وفي تكرار الكلام في: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، وفي سورة الرحمن.
وفي تكرار الأنباء والقصص، من غير زيادة ولا إفادة.
وفي مخالفة معنى الكلام مخرجه.
وقد ذكرت الحجّة عليهم في جميع ما ذكروا، وغيره مما تركوا، وهو يشبه ما أنكروا، ليكون الكتاب جامعا للفن الذي قصدت له.
وأفردت للغريب كتابا، كي لا يطول هذا الكتاب، وليكون مقصورا على معناه، خفيفا على من قرأه إن شاء اللّه تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (6- 8):

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبروا باعراضهم وعللوا بعدم فهمهم بما يدعو إليه، أمره سبحانه بجواب يبين أنهم على محض العناد فقال: {قل} أي لهؤلاء الذين عجزوا عن رد شيء من أمرك بشيء يقبله ذو عقل فادعوا ما ينادي عليهم بالعجز: {إنما أنا بشر مثلكم} لا غير بشر مما لا يرى، والبشر يرى بعضه بعضًا ويسمعه ويبصره فقولكم أنه لا وصول لكم إلى رؤيتي ولا إدراك شيء مما أقول مما لا وجه له أصلًا.
ولما كان ادعاؤهم لعدم المواصلة بينهم قد تضمن شيئين: أحدهما فيه، والآخر فيما يدعو إليه، ونقض الأول، قال في الثاني: {يوحى إليّ} أي بطريق يخفى عليكم {إنما إلهكم} أي الذي يستحق العبادة {إله واحد} لا غير واحد، وهذا مما دلت عليه الطرق النقلية، وانعقد عليه الإجماع في أوقات الضرورات النفسانية، أي لست مغايرًا للبشر ممن يخفى عليكم شخصه كالملك، ولا يعجم عليهم مراده بصوته كسائر الحيوانات، ومع كوني بشرًا فلست بمغاير لكم في الصنف بكوني أعجميًا، بل أنا مثلكم سواء في كوني عربيًا، ومع ذلك كله فأصل ما أوحي إلي ليس معبرًا عنه بجمل طوال تمل أو تنسى، أو يشكل فهمها، وإنما هو حرف واحد وهو التوحيد، فلا عذر لكم أصلًا في عدم فهمه ولا سماعه ولا رؤية قائله.
ولما قطع حجتهم وأزال علتهم، سبب عن ذلك قوله: {فاستقيموا} أي اطلبوا واقصدوا وأوجدوا القوام متوجهين وإن كان في غاية البعد عنكم {إليه} غير معرجين أصلًا على نوع شرك بشفيع ولا غيره.
ولما كان أعظم المراد من الوحي العلم والعمل، وكان رأس العلم التوحيد فعرفه وأمر بالاستقامة فيه، أتبعه رأس العمل وهو ما أنبأ عن الاعتراف بالعجز مع الاجتهاد فقال: {واستغفروه} أي اطلبوا منه غفران ذنوبكم، وهو محوها عينًا وأثرًا حتى لا تعاقبوا عليها ولا تعاتبوا بالندم عليها، والإقلاع عنها حالًا ومآلًا.
واما أمر بالخير، رغب فيه ووهب من ضده، فكان التقدير للترغيب: فالفلاح والفوز لمن فعل ذلك، فعطف عليه ما السياق له فقال: {وويل} أي وسواة وهلاك {للمشركين}.
ولما كانت العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادة في أمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، وكان أفضل أبواب التعظيم لأمر الله الإقرار بوحدانيته، فكان أخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك، وكان اخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك، وكان أخس الأعمال التي بين العبد وبين الخلق منع ما أوجه الله في الزكاة، وكان معنى الشرك الحكم بأن ما لا شيء له أصلًا وما لا يمكن أن يكون له ملك تام على شيء أصلًا قد شارك من له الكل خلقًا وتصرفًا فيما هو عليه من الملك التام الذي لا شوب فيه، وكانت الزكاة إشراك من له ملك غير تام لمثله في جزء يسير من ماله.
قال ذامًا لمن أبى أن يشارك الخلائق وأشرك بالخالق: {الذين لا يؤتون} أي أمثالهم من أولاد آدم {الزكاة} من المال الذي لا صنع لهم في خلقه، فهو مخلف عن أبيهم آدم، فالقياس يقتضي اشتراكهم كلهم فيه على حد سواء، ولكنا رحمناهم بتخصيص كل واحد منهم بما ملكت يمينه منه بطريقة، فقد حكموا في أمر ربهم بما لا يرضونه لأنفسهم، فإنهم أبوا أن يشركوا ببذل الزكاة بعض أخوانهم في بعض مالهم الذي ملكهم له ضعيف، وأشركوا ما لا يملك شيئًا أصلًا بما لا نفع مع المالك المطلق.
ولما كان مما تضمنه إشراكهم وإنكارهم البعث أنهم أداهم شحهم إلى استغراقهم في الدنيا والأقبال بكلياتهم على لذاتها، فأنكروا الآخرة، فصار محط حالهم أنهم أثبتوا لمن لا فعل أصلًا فعلًا لا يمكنه تعاطيه بوجه، ونفوا عن الفاعل المختار الذي هم لأفعاله الهائلة في كل وقت يشاهدون، وإليه في منافعهم ومضارهم يقصدون، ما أثبت لنفسه من فعله، فقال مؤكدًا تنبيهًا على أن إنكارهم هذا مما لا يكاد يصدق: {وهم بالآخرة} أي الحياة التي بعد هذه ولا بعد لها {هم} أي بخاصة من بين أهل الملل {كافرون} فاختصموا بإنكار شيء لم يوافقهم عليه أحد في حق من يشاهدون في كل وقت من أفعاله أكثر من ذلك، وأثبتوا لمن لم يشاهددوا له فعلًا قط ما لا يمكنه فعله أصلًا، وهم يدعون العقول الصحيحة والآراء المتينة ورضوا لأنفسهم بالدناءة في منع الزكاة وحكموا بأعظم منها على الله وهم يدعون مكارم الأخلاق ومعالي الهمم، فأقبح بهذه عقولًا وأسفل بها هممًا فقد تضمنت الآية أن الويل لمن اتصف بصفات ثلاثة: الشرك الذي هو ضد التعليم لأمر الله، والامتناع من الزكاة الذي هو ضد الشفقة على خلق الله وإنكار القيامة المؤدي إلى الاستغراق فيما أبغض الله في طلب الدنيا ولذاتها وهو من الاستهانة بأمر الله، قال الأصبهاني: وتمام الكلام في أنه لا زيادة على هذه المراتب الثلاثة أن الإنسان له ثلاثة أيام: أمس واليوم والغد، فمعرفة كيف ينبغي وقوع الأحوال في الاليوم الحاضر هو بالإحسان إلى أهل العلم بقدر الطاقة، ومعرفة الأحوال في اليوم المستقبل بالإقرار بالبعث والقيامة، فإذا كان الإنسان على ضد الحق في هذه المراتب الثلاثة كان في نهاية الجهل والضلال.
ولما ذكر ما للجاهلين وعيدًا وتحذيرًا، ذكر ما لأضدادهم وعدًا وتبشيرًا، فقال مجيبًا لمن تشوف لذلك مؤكدًا لإنكار من ينكره: {إن الذين آمنوا} أي بما آتاهم الله من العلم النافع {وعملوا الصالحات} من الزكاة وغيرها ليكون عملهم شرعيًا نافعًا، ولما كان افتتاح السورة بالرحمن الرحيم مشعرًا بأن الأسباب الظاهرية انمحت عند السبب الحقيقي الذي هو رحمته، أعرى الخبر عن الفاء، فقال إيذانًا بعظم الجزاء لأن سببه رحمة الرحيم، ولو كان بالفاء لآذنت أنه على مقدار العمل الذي هو سببه: {لهم أجر} أي عظيم {غير ممنون} أي مقطوع جزاء على سماحهم بالفاني اليسير من أموالهم في الزكاة وغيرها وما أمر الله به من أقوالهم في الآخرة والدنيا، والممنون: المقطوع من مننت الحبل أي قطعته بقطع مننه ومنه قولهم: قد منه السفر أي قطعه وأذهب منته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما حكى الله عنهم هذه الشبهة أمر محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يجيب عن هذه الشبهة بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ} وبيان هذا الجواب كأنه يقول إني لا أقدر أن أحملكم على الإيمان جبرًا وقهرًا فإني بشر مثلكم ولا امتياز بيني وبينكم إلا بمجرد أن الله عزّ وجلّ أوحى إليّ وما أوحى إليكم فأنا أبلغ هذا الوحي إليكم، ثم بعد ذلك إن شرفكم الله بالتوحيد والتوفيق قبلتموه، وإن خذلكم بالحرمان رددتموه، وذلك لا يتعلق بنبوتي ورسالتي، ثم بيّن أن خلاصة ذلك الوحي ترجع إلى أمرين: العلم والعمل، أما العلم فالرأس والرئيس فيه معرفة التوحيد، ذلك لأن الحق هو أن الله واحد وهو المراد من قوله: {أَنَّمَا إلهكم إله واحد} وإذا كان الحق في نفس الأمر ذلك وجب علينا أن نعترف به، وهو المراد من قوله: {فاستقيموا إِلَيْهِ} ونظيره قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] وقوله: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} [فصلت: 30] وقوله تعالى: {وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه} [الأنعام: 153] وفي قوله تعالى: {فاستقيموا إِلَيْهِ} وجهان الأول: فاستقيموا متوجهين إليه الثاني: أن يكون قوله: {فاستقيموا إِلَيْهِ} معناه فاستقيموا له لأن حروف الجر يقام بعضها مقام البعض.
واعلم أن التكليف له ركنان أحدهما: الاعتقاد والرأس والرئيس فيه اعتقاد التوحيد، فلما أمر بذلك انتقل إلى وظيفة العمل والرأس والرئيس فيه الاستغفار، فلهذا السبب قال: {واستغفروه} فإن قيل المقصود من الاستغفار والتوبة إزالة ما لا ينبغي وذلك مقدم على فعل ما ينبغي، فلم عكس هذا الترتيب هاهنا وقدم ما ينبغي على إزالة ما لا ينبغي؟ قلنا ليس المراد من هذا الاستغفار الاستغفار عن الكفر، بل المراد منه أن يعمل ثم يستغفر بعده لأجل الخوف من وقوع التقصير في العمل الذي أتى به كما قال صلى الله عليه وسلم: «وإنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة» ولما رغب الله تعالى في الخير والطاعة أمر بالتحذير عما لا ينبغي، فقال: {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} وفي هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
وجه النظم في هذه الآية من وجوه الأول: أن العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادات مربوطة بأمرين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله، وذلك لأن الموجودات، إما الخالق وإما الخلق، فأما الخالق فكمال السعادة في المعاملة معه أن يقر بكونه موصوفًا بصفات الجلال والعظمة، ثم يأتي بأفعال دالة على كونه في نهاية العظمة في اعتقادنا وهذا هو المراد من التعظيم لأمر الله، وأما الخلق فكمال السعادة في المعاملة معهم أن يسعى في دفع الشر عنهم وفي إيصال الخير إليهم، وذلك هو المراد من الشفقة على خلق الله، فثبت أن أعظم الطاعات التعظيم لأمر الله، وأفضل أبواب التعظيم لأمر الله الإقرار بكونه واحدًا وإذا كان التوحيد أعلى المراتب وأشرفها كان ضده وهو الشرك أخس المراتب وأرذلها، ولما كان أفضل أنواع المعاملة مع الخلق هو إظهار الشفقة عليهم كان الامتناع من الزكاة أخس الأعمال، لأنه ضد الشفقة على خلق الله، إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى أثبت الويل لمن كان موصوفًا بصفات ثلاثة أولها: أن يكون مشركًا وهو ضد التوحيد.
وإليه الإشارة بقوله: {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ} وثانيها: كونه ممتنعًا من الزكاة وهو ضد الشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: {الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكواة} وثالثها: كونه منكرًا للقيامة مستغرقًا في طلب الدنيا ولذاتها، وإليه الإشارة بقوله: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} وتمام الكلام في أنه لا زيادة على هذه المراتب الثلاثة أن الإنسان له ثلاثة أيام: الأمس واليوم والغد.
أما معرفة أنه كيف كانت أحوال الأمس في الأزل فهو بمعرفة الله تعالى الأزلي الخالق لهذا العالم.
وأما معرفة أنه كيف ينبغي وقوع الأحوال في اليوم الحاضر فهو بالإحسان إلى أهل العالم بقدر الطاقة، وأما معرفة الأحوال في اليوم المستقبل فهو الإقرار بالبعث والقيامة، وإذا كان الإنسان على ضد الحق في هذه المراتب الثلاثة كان في نهاية الجهل والضلال، فلهذا حكم الله عليه بالويل، فقال: {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} وهذا ترتيب في غاية الحسن، والله أعلم الوجه الثاني: في تقرير كيفية النظم أن يقال المراد بقوله: {لاَ يُؤْتُونَ الزكواة} أي لا يزكون أنفسهم من لوث الشرك بقولهم: لا إله إلا الله، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] الثالث: قال الفرّاء: إن قريشًا كانت تطعم الحاج، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية:
احتج أصحابنا في إثبات أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام بهذه الآية، فقالوا إنه تعالى ألحق الوعيد الشديد بناء على أمرين أحدهما: كونه مشركًا والثاني: أنه لا يؤتي الزكاة، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين الأمرين تأثير في حصول ذلك الوعيد، وذلك يدل على أن لعدم إيتاء الزكاة من المشرك تأثيرًا عظيمًا في زيادة الوعيد، وذلك هو المطلوب.
المسألة الثالثة:
احتج بعضهم على أن الامتناع من إيتاء الزكاة يوجب الكفر، فقال إنه تعالى لما ذكر هذه الصفة ذكر قبلها ما يوجب الكفر، وهو قوله: {فَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ} وذكر أيضًا بعدها ما يوجب الكفر، وهو قوله: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} فلو لم يكن عدم إيتاء الزكاة كفرًا لكان ذكره فيما بين الصفتين الموجبتين للكفر قبيحًا، لأن الكلام إنما يكون فصيحًا إذا كانت المناسبة مرعية بين أجزائه، ثم أكدوا ذلك بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حكم بكفر مانعي الزكاة والجواب: لما ثبت بالدليل أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب والإقرار باللسان وهما حاصلان عند عدم إيتام الزكاة، فلم يلزم حصول الكفر بسبب عدم إيتاء الزكاة، والله أعلم.
ثم إنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أردفه بوعد المؤمنين، فقال: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع، من قولك مننت الحبل، أي قطعته، ومنه قولهم قد منه السفر، أي قطعه، وقيل لا يمن عليهم، لأنه تعالى لما سماه أجرًا، فإذًا الأجر لا يوجب المنّة، وقيل نزلت في المرضى والزمنى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأحسن ما كانوا يعملون. اهـ.